فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله تبارك وتعالى: {والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بآياتنا أُولَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} لما وعد الله متبع الهدى بالأمن من العذاب والحزن عقبه بذكر من أعد له العذاب الدائم فقال: {والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بآياتنا} سواء كانوا من الإنس أو من الجن فهم أصحاب العذاب الدائم.
وأما الكلام في أن العذاب هل يحسن أم لا وبتقدير حسنه فهل يحسن دائمًا أم لا؟ فقد تقدم الكلام فيه في تفسير قوله: {وعلى أبصارهم غشاوة وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} [البقرة: 7] وههنا آخر الآيات الدالة على النعم التي أنعم الله بها على جميع بني آدم وهي دالة على التوحيد من حيث إن هذه النعم أمور حادثة فلابد لها من محدث وعلى النبوة من حيث إن محمدًا صلى الله عليه وسلم أخبر عنها موافقًا لما كان موجودًا في التوراة والإنجيل من غير تعلم ولا تلمذة لأحد وعلى المعاد من حيث إن من قدر على خلق هذه الأشياء ابتداء قدرعلى خلقها إعادة وبالله التوفيق. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {والذين كفروا} الآية، عطف جملة مرفوعة على جملة مرفوعة، وقال: {وكذبوا} وكان في الكفر كفاية لأن لفظة كفرا يشترك فيها كفر النعم وكفر المعاصي، ولا يجب بهذا خلود فبين أن الكفر هنا هو الشرك، بقوله: {وكذبوا بآياتنا} والآية هنا يحتمل أن يريد المتلوة، ويحتمل أن يريد العلامة المنصوبة، وقد تقدم في صدر هذا الكتاب القول على لفظ آية، و{أولئك} رفع بالابتداء و{أصحاب} خبره، والصحبة الاقتران بالشيء في حالة ما، في زمن ما، فإن كانت الملازمة والخلطة فهو كمال الصحبة، وهكذا هي صحبة أهل النار لها، وبهذا القول ينفك الخلاف في تسمية الصحابة رضي الله عنهم إذ مراتبهم متباينة، أقلها الاقتران في الإسلام والزمن، وأكثرها الخلطة والملازمة، و{هم فيها خالدون} ابتداء وخبر في موضع الحال. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {والذين كَفَرواْ} أي أشركوا؛ لقوله: {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أولئك أَصْحَابُ النار} الصحبة: الاقتران بالشيء في حالة مّا، في زمان مّا؛ فإن كانت الملازمة والخُلْطة فهي كمال الصحبة؛ وهكذا هي صحبة أهل النار لها.
وبهذا القول ينفك الخلاف في تسمية الصحابة رضي الله عنهم إذ مراتبهم متباينة، على ما نبيّنه في براءة إن شاء الله. اهـ.

.قال أبو حيان:

{والذين كفروا} قسيم لقوله: {فمن تبع هداي} وهو أبلغ من قوله: {ومن لم يتبع هداي} وإن كان التقسيم اللفظي يقتضيه، لأن نفي الشيء يكون بوجوه، منها: عدم القابلية بخلقة أو غفلة، ومنها تعمد ترك الشيء، فأبرز القسيم بقوله: {والذين كفروا} في صورة ثبوتية ليكون مزيلًا للاحتمال الذي يقتضيه النفي، ولما كان الكفر قد يعني كفر النعمة وكفر المعصية بين: أن المراد هنا الشرك بقوله: {وكذبوا بآياتنا} وبآياتنا متعلق بقوله: {وكذبوا} وهو من إعمال الثاني، إن قلنا: إن كفروا، يطلبه من حيث المعنى، وإن قلنا: لا يطلبه، فلا يكون من الإعمال، ويحتمل الوجهين.
والآيات هنا: الكتب المنزلة على جميع الأمم، أو معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو القرآن، أو دلائل الله في مصنوعاته، أقوال.
و{أولئك} مبتدأ، {وأصحاب} خبر عنه، والجملة خبر عن قوله: {والذين كفروا} وجوزوا أن يكون أولئك بدلًا وعطف بيان، فيكون أصحاب النار، إذ ذاك، خبرًا عن الذين كفروا.
وفي قوله: {أولئك أصحاب النار} دلالة على اختصاص من كفر وكذب بالنار.
فيفهم أن من اتبع الهدى هم أصحاب الجنة.
وكان التقسيم يقتضي أن من اتبع الهدى لا خوف ولا حزن يلحقه، وهو صاحب الجنة، ومن كذب يلحقه الخوف والحزن، وهو صاحب النار.
فكأنه حذف من الجملة الأولى شيء أثبت نظيره في الجملة الثانية، ومن الثانية شيء أثبت نظيره في الجملة الأولى، فصار نظير قول الشاعر:
وإني لتعروني لذكرك فترة ** كما انتفض العصفور بلله القطر

وفي قوله: {أولئك} إشارة إلى الذوات المتصفة بالكفر والتكذيب، وكأن فيها تكريرًا وتوكيدًا لذكر المبتدأ السابق.
والصحبة معناها: الاقتران بالشيء، والغالب في العرف أن ينطلق على الملازمة، وإن كان أصلها في اللغة: أن تنطلق على مطلق الاقتران.
والمراد بها هنا: الملازمة الدائمة، ولذلك أكده بقوله: {هم فيها خالدون}.
ويحتمل أن تكون هذه الجملة حالية، كما جاء في مكان آخر: {أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها} فيكون، إذ ذاك، لها موضع من الإعراب نصب.
ويحتمل أن تكون جملة مفسرة لما أنبهم في قوله: {أولئك أصحاب النار} ففسر وبين أن هذه الصحبة لا يراد بها مطلق الاقتران، بل الخلود، فلا يكون لها إذ ذاك موضع من الإعراب.
ويحتمل أن يكون خبرًا ثانيًا للمبتدأ الذي هو: أولئك، فيكون قد أخبر عنه بخبرين: أحدهما مفرد، والآخر جملة، وذلك على مذهب من يرى ذلك، فيكون في موضع رفع.
وقد تقدم الكلام على الخلود، وهل هو المكث زمانًا لا نهاية له، أو زمانًا له نهاية؟. اهـ.

.قال أبو السعود:

{والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بآياتنا} عطف على من تِبعَ الخ قسيمٌ له، كأنه قيل: ومن لم يتْبَعْه، وإنما أوثر عليه ما ذكر تفظيعًا لحال الضلالةِ وإظهارًا لكمالِ قُبحِها، وإيراد الموصولِ بصيغة الجمعِ للإشعار بكثرة الكفرة، والجمعُ بين الكفر والتكذيب للإيذان بتنوّع الهدى إلى ما ذكر من النوعين، وإيراد نونِ العظمةِ لتربية المهابة وإدخالِ الروعةِ، وإضافةُ الآياتِ إليها لإظهار كمالِ قبحِ التكذيبِ بها، أي والذين كفروا برُسُلنا المرسلةِ إليهم وكذبوا بآياتنا المنزلة عليهم، وقيل: المعنى كفروا بالله وكذبوا بآياته التي أنزلها على الأنبياء عليهم السلام، أو أظهَرها بأيديهم من المعجزات، وقيل: كفروا بالآيات جَنانًا وكذبوا بها لسانًا فيكون كلا الفعلين متوجهًا إلى الجار والمجرور، والآية في الأصل العلامة الظاهرة، قال النابغة:
توهمْتُ آياتٍ لها فعرَفتُها ** لستة أعوامٍ وذا العامُ سابعُ

ويقال للمصنوعات من حيث دلالتُها على الصانع تعالى وعلمِه وقدرتِه ولكل طائفةٍ من كلمات القرآنِ المتميِّزة عن غيرها بفصل لأنها علامةٌ لانفصال ما قبلها مما بعدها، وقيل: لأنها تُجْمَعُ كلماتٌ منه فيكون من قولهم خرج بنو فلان بآيتهم أي بجماعتهم قال:
خرجْنا من البيتينِ لا حيَّ مثلُنا ** بآيتِنا نُزجي النِّعاجَ المَطافِلا

واشتقاقُها من أَيْ لأنها تبين أيًا من أيَ، أو من أوى إليه أي رجَع وأصلُها أَوْية أو أيّة، فأبدلت عينها ألفًا على غير قياس أو أوَيَة أو أيَيَة كرَمَكَة، فأُعِلَّت أو آئِيَة كقائلة، فحُذفت الهمزة تخفيفًا {أولئك} إشارة إلى الموصوف باعتبار اتصافه بما في حيز الصلةِ من الكفر والتكذيب وفيه إشعارٌ بتميزهم بذلك الوصف تميزًا مصحِّحًا للإشارة الحسية، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم فيه وهو مبتدأ، وقوله عز وجل: {أصحاب النار} أي ملازموها وملابسوها بحيث لا يفارقونها خبره، والجملة خبرٌ للموصول أو اسمُ الإشارةِ بدل من الموصول، أو عطفُ بيان له، وأصحاب النار خبرٌ له وقوله تعالى: {هُمْ فِيهَا خالدون} في حيز النصب على الحالية لورود التصريح به في قوله تعالى: {أصحاب النار خالدين فِيهَا} وقد جُوِّز كونُه حالًا من النار لاشتماله على ضميرها، والعامل معنى الإضافة أو اللامُ المقدرة أو في محل الرفع على أنه خبر آخرُ لأولئك على رأي من جوز وقوع الجملة خبرًا ثانيًا، وفيها متعلق بخالدون والخلودُ في الأصل المكثُ الطويلُ وقد انعقد الإجماع على أن المراد به الدوام. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}.
عطف على {فَمَن تَبِعَ} [البقرة: 8 3] قسيم له كأنه قال: ومن لم يتبعه، وإنما أوثر عليه ما ذكر تعظيمًا لحال الضلالة وإظهارًا لكمال قبحها أو لأن من لم يتبع شامل لمن لم تبلغه الدعوة ولم يكن من المكلفين فعدل عن ذلك لإخراجهم، ولأنه شامل للفاسق بناء على أن المراد بالمتابعة المتابعة الكاملة ليترتب عليه عدم الخوف والحزن فلو قال سبحانه ذلك لزم منه خلوده في النار ولما قال ما قال لم يلزم ذلك بل خرج الفاسق من الصنفين، ويعلم بالفحوى أن عليه خوفًا وحزنًا على قدر عدم المتابعة ولو جعل قوله تعالى: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 8 3] حينئذ لنفي استمرار الخوف والحزن، وأريد بمتابعة الهدى الإيمان به تعالى كان داخلًا في {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ} إلا أن أولياء كتاب الله تعالى لا يرضون ذلك ولا يقبلون وأو لئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وإيراد الموصول بصيغة الجمع للإشارة إلى كثرة الكفرة، والمتبادر من الكفر الكفر بالله تعالى، ويحتمل أن يكون كفروا وكذبوا متوجهين إلى الجار والمجرور فيراد بالكفر بالآيات إنكارها بالقلب، وبالتكذيب إنكارها باللسان.
والآية في الأصل: العلامة الظاهرة بالقياس إلى ذي العلامة، ومنه آية القرآن لأنها علامة لانقطاع الكلام الذي بعدها والذي قبلها، أو لأنها علامة على معناها وأحكامها، وقيل: سميت آية لأن الآية تطلق على الجماعة أيضًا، كما قال أبو عمرو يقال: خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم، وهي جماعة من القرآن وطائفة من الحروف، وذكر بعضهم أنها سميت بذلك لأنها عجب يتعجب من إعجازه، كما يقال: فلان آية من الآيات، وفي أصلها ووزنها أقوال: فمذهب سيبويه والخليل أن أصلها أيية بفتحات قبلت الياء الأولى ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها على خلاف القياس كغاية وراية إذ المطرد عند اجتماع حرفي علة إعلال الآخر لأنه محل التغيير، ومذهب الكسائي أن أصلها آيية كفاعلة وكان القياس أن تدغم كدابة، إلا أنه ترك ذلك تخفيفًا فخذفوا عينها، ومذهب الفراء أن وزنها فعلة بسكون العين من تأيّ القوم إذا اجتمعوا، وقالوا في الجمع: آياء كأفعال، فظهرت الياء، والهمزة الأخيرة بدل ياء والألف الثانية بدل من همزة هي فاء الكلمة، ولو كان عينها واوًا لقالوا في الجمع: آواء، ثم إنهم قلبوا الياء الساكنة ألفًا على غير القياس لعدم تحركها وانفتاح ما قبلها.
ومذهب الكوفيين أن وزنها أيية كنبقة فأعلت وهو في الشذوذ كالأول، وقيل: وزنها فعلة بضم العين، وقيل: أصلها أياة فقدمت اللام وأخرت العين وهو ضعيف وكل الأقوال فيها لا تخلو عن شذوذ، ولا بدع فهي آية، والمراد بالآيات هنا الكتب المنزلة أو الأنبياء، أو القرآن، أو الدوال عليه سبحانه من كتبه ومصنوعاته، وينزل المعقول منزلة الملفوظ ليتأتى التكذيب، وأتى سبحانه بنون العظمة لتربية المهابة وإدخال الروعة، وأضاف تعالى الآيات إليها لإظهار كمال قبح التكذيب بها، وأشار ب {أولئك} إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة للإشعار بتميز: {أولئك} بذلك الوصف تميزًا مصححًا للإشارة الحسية مع الإيذان ببعد منزلتهم فيه وهو مبتدأ خبره أصحابه وهو جمع صاحب، وجمع فاعل على أفعال شاذ كما في البحر، ومعنى الصحبة الاقتران بالشيء، والغالب في العرب أن تطلق على الملازمة، وهذه الجملة خبر عن الذين، ويحتمل أن يكون اسم الإشارة بدلًا منه أو عطف بيان، والأصحاب خبره، والجملة الاسمية بعد في حيز النصب على الحالية لورود التصريح في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ أصحاب النار خالدين فِيهَا} [التغابن: 0 1] وجوّز كونها حالًا من النار لاشتمالها على ضميرها، والعامل معنى الإضافة أو اللام المقدرة، أو في حيز الرفع على أنها خبر آخر لأولئك على رأي من يرى ذلك، قال أبو حيان: ويحتمل أن تكون مفسرة لما أبهم في {أصحاب النار} مبينة أن هذه الصحبة لا يراد منها مطلق الاقتران بل الخلود، فلا يكون لهذا إذ ذاك محل من الإعراب، والخلود هنا الدوام على ما انعقد عليه الإجماع، ومن البديع ما ذكره بعضهم أن في الآيتين نوعًا منه، يقال له الاحتباك، ويا حبذاه لولاه الكناية المغنية عما هناك. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا} يحتمل أنه من جملة ما قيل لآدم فإكمال ذكره هنا استيعاب لأقسام ذرية آدم وفيه تعريض بالمشركين من ذرية آدم وهو يعم من كذب بالمعجزات كلها ومن جملتها القرآن، عطف على مَن الشرطية في قوله: {فمن تبع هداي} إلخ فهو من عطف جملة اسمية على جملة اسمية، وأتى بالجملة المعطوفة غير شرطية مع ما في الشرطية من قوة الربط والتنصيص على ترتب الجزاء على الشرط وعدم الانفكاك عنه لأن معنى الترتب والتسبب وعدم الانفكاك قد حصل بطرق أخرى فحصل معنى الشرط من مفهوم قوله: {فمن تبع هداي فلا خوف عليهم} فإنه بشارة يؤذن مفهومها بنذارة من لم يتبعه فهو خائف حزين فيترقب السامع ما يبين هذا الخوف والحزن فيحصل ذلك بقوله: {والذين كفروا وكذبوا} الآية.
وأما معنى التسبب فقد حصل من تعليق الخبر على الموصول وصلته المومئ إلى وجه بناء الخبر وعلته على أحد التفسيرين في الإيماء إلى وجه بناء الخبر، وأما عدم الانفكاك فقد اقتضاه الإخبار عنهم بأصحاب النار المقتضي للملازمة ثم التصريح بقوله: {هم فيها خالدون}.
ويحتمل أنه تذييل ذيلت به قصة آدم لمناسبة ذكر المهتدين وليس من المقول له، والمقصود من هذا التذييل تهديد المشركين والعود إلى عرض قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} [البقرة: 21] وقوله: {كيف تكفرون بالله} [البقرة: 28] فتكون الواو في قوله: {والذين كفروا} اعتراضية والمراد بالذين كفروا الذين أنكروا الخالق وأنكروا أنبياءه وجحدوا عهده كما هو اصطلاح القرآن والمعنى والذين كفروا بي وبهداي كما دلت عليه المقابلة.
والآيات جمع آية وهي الشيء الدال على أمر من شأنه أن يخفى، ولذلك قيل لأعلام الطريق آيات لأنهم وضعوها للإرشاد إلى الطرق الخفية في الرمال، وتسمى الحجة آية لأنها تظهر الحق الخفي، كما قال الحارث بن حلزة:
من لنا عنده من الخير آيا ** تٌ ثلاثٌ في كلهن القضاء

يعني ثلاث حجج على نصحهم وحسن بلائهم في الحرب وعلى اتصالهم بالملك عمرو بن هند.
وسمى الله الدلائل على وجوده وعلى وحدانيته وعلى إبطال عقيدة الشرك آيات، فقال: {وماتأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين} [الأنعام: 4] وقال: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون} [الأنعام: 97] إلى قوله: {إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون} [الأنعام: 99] وقال: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها} [الأنعام: 109] وسمي القرآن آية فقال: {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله} إلى قوله: {أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} في سورة العنكبوت (50، 51).
وسمَّى أجزاءه آيات فقال: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا} [الحج: 72] وقال: {المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق} [الرعد: 1] لأن كل سورة من القرآن يعجز البشر عن الإتيان بمثلها كما قال تعالى: {فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: 23]، فكان دالًا على صدق الرسول فيما جاء به وكانت جمله آيات لأن بها بعضَ المقدار المعجز، ولم تسم أجزاء الكتب السماوية الأخرى آيات، وأما ما ورد في حديث الرجم أن ابن صوريا حين نشر التوراة وضع يده على آية الرجم فذلك على تشبيه الجزء من التوراة بالجزء من القرآن وهو من تعبير راوي الحديث.
وأصل الآية عند سيبويه فَعَلَة بالتحريك أَيَيَهْ أو أَوَيَهْ على الخلاف في أنها واوية أو يائية مشتقة من أي الاستفهامية أو من أوى فلما تحرك حرفَا العلة فيها قلب أحدهما وقُلب الأول تخفيفًا على غير قياس لأن قياس اجتماع حرفي علة صالحين للإعلال أن يعل ثانيهما إلا ما قل من نحو آيَة وقَاية وطَاية وثَاية ورَاية.
فالمراد بآياتنا هنا آيات القرآن أي وكذبوا بالقرآن أي بأنه وحي من عند الله.
والباء في قوله: {وكذبوا بآياتنا} باء يكثر دخولها على متعلق مادة التكذيب مع أن التكذيب متعد بنفسه ولم أقف في كلام أئمة اللغة على خصائص لحاقها بهذه المادة والصيغة فيحتمل أنها لتأكيد اللصوق للمبالغة في التكذيب فتكون كالباء في قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} [المائدة: 6] وقول النابغة:
لك الخير أَنْ وارتْ بك الأرضُ واحدا

ويحتمل أن أصلها للسببية وأن الأصل أن يُقال كذَّب فلانًا بخبره ثم كثر ذلك فصار كذب به وكذَب بمعنى واحد والأكثر أن يقال كذَّب فلانًا، وكذب بالخبر الفلاني، فقوله: {بآياتنا} يتنازعه فعلا كَفروا وكَذبوا.
وقوله: {هم فيها خالدون} بيان لمضمون قوله: {أصحاب النار} فإن الصاحب هنا بمعنى الملازم ولذلك فصلت جملة {فيها خالدون} لتنزلها من الأولى منزلة البيان فبينهما كمال الاتصال. اهـ.